فصل: تفسير الآية رقم (87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (78):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [78].
{قَالُواْ} أي: لموسى: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} أي: لتصرفنا: {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} يعنون عبادة الأصنام: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء} أي: الملك والسلطان: {فِي الأَرْضِ} أي: أرض مصر: {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} أي: لتبقى عزتنا.

.تفسير الآية رقم (79):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [79].
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} أي: حفظاً لعزته، ودفعاً لتعزز موسى: {ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} أي: ماهر في فنه.

.تفسير الآية رقم (80):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ} [80].
{فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ} أي: من أصناف السحر، قال بعضهم: جواز الأمر بالسحر لدحضه، وكذلك طلب إيراد الشُّبه لتُحل.

.تفسير الآية رقم (81):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [81].
{فَلَمَّا أَلْقَواْ} أي: عصيهم وحبالهم ليضاهوا معجزة موسى بعصاه: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ} أي: هو السحر، لا ما جئتكم به مما سميتموه سحراً: {إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ} أي: سيمحقه بالكلية بمعجزتي، فلا يبقى له أثر: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} أي: بل يسلط عليه الدمار.

.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [82].
{وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أي: يثبته ويقويه بها: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} أي: ذلك. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (83):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [83].
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} معطوف على مقدر معلوم من مواقع أخر، أي: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الشعراء: 45]، الخ. قيل: الضمير من: {قَوْمِهِ} لفرعون، وهم ناس يسير من قومه، آمنوا به سراً، والأظهر أنهم قوم موسى، وهم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر من أولاد يعقوب، فهم الذين آمنوا به: {عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} أي: يعذبهم: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ} أي: مستكبر: {فِي الأَرْضِ} أي: أرض مصر: {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي: المتجاوزين الحد بالظلم والفساد، وبادعاء الربوبية.

.تفسير الآية رقم (84):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [84].
{وَقَالَ مُوسَى} أي: تطميناً لقلوبهم، وإزالة للخوف عنهم: {يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ} أي: فإليه أسندوا أمركم في العصمة مما تخافون، وبه ثقوا فإنه كافيكم {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: من الآية 3]، وقوله: {إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} أي: مخلصين وجوهكم له.
قال القاشاني: جعل التوكل من لوازم الإسلام، وهو إسلام الوجه لله تعالى، أي: إن كمل إيمانكم ويقينكم، بحيث أثر في نفوسكم، وجعلها خالصة لله؛ لزم التوكل عليه. وإن أريد الإسلام بمعنى الانقياد، كان شرطاً في التوكل، لا ملزوماً له، وحينئذ يكون معناه: إن صح إيمانكم يقيناً فعليه توكلوا، بشرط أن تكونوا منقادين. كما تقول: إن كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت- انتهى-.
وقال الكرخي: قوله تعالى: {إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} أي: منقادين لأمره، فقوله: {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ} جواب الشرط الأول، والشرط الثاني وهو: {إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} شرط في الأول، وذلك أن الشرطين متى لم يترتبا في الوجود، فالشرط الثاني شرط في الأول. ولذلك لم يجب تقديمه على الأول. قال الفقهاء: المتأخر يجب أن يكون متقدماً، والمتقدم يجب أن يكون متأخراً، مثاله: قول الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيداً، فمجموع قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق مشروط إن كلمت زيداً والمشروط متأخر عن الشرط، وذلك يقتضي أن يكون المتأخر في اللفظ متأخراً في المعنى، فكأنه يقول لامرأته: حال ما كلمت زيداً إن دخلت الدار فأنت طالق، فلو حصل هذا المعلق قبل إن كلمت زيداً لم يقع الطلاق. فقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ آمَنتُم} إلخ يقتضي أن يكون كونهم مسلمين شرطاً لأن يصيروا مخاطبين بقوله: {إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ} فكأنه تعالى يقول للمسلم حال إسلامه: إن كنت من المؤمنين بالله فعلى الله توكل. والأمر كذلك، لأن الإسلام عبارة عن الاستسلام وهو الانقياد لتكاليف الله، وترك التمرد والإيمان عبارة عن معرفة القلب بأن واجب الوجود لذاته واحد، وما سواه محدث تحت تدبيره وقهره. وإذا حصلت هاتان الحالتان فعند ذلك يفوض العبد جميع أموره إليه تعالى، ويحصل في القلب نور التوكل على الله تعالى. انتهى.

.تفسير الآية رقم (85):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [85].
{فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: موضع فتنة لهم، أي: عذاب يعذبوننا ويفتنوننا عن ديننا. قال الحاكم: دلت على حسن السؤال بالنجاة من الظلمة.

.تفسير الآية رقم (86):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [86].
{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أي: من كيدهم، ومن شؤم مشاهدتهم، والعبودية لهم.
قال القاضي: وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولاً لتجاب دعوته.

.تفسير الآية رقم (87):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [87].
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} أي: اتخذا بها بيوتاً مباءة تلازمونها لتجتمع كلمتكم في شأنكم: {وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي: مصلى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} أي: في بيوتكم، قال بعضهم: كانوا خائفين، وفي ذلك دلالة على جواز كتم الصلاة عند الخوف {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: بالنصرة في الدنيا، والجنة في العقبى.

.تفسير الآية رقم (88):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [88].
{وَقَالَ مُوسَى} أي: يدعو الله تعالى في إذهاب عزة فرعون: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً} أي: ما يتزين به من اللباس والمراكب والحلي: {وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} أي: بالتكبر عليك وعلى آياتك ورسلك. وقوله: {لِيُضِلُّوا} متعلق بـ: {آتَيْتَ}، وأعيد: {رَبَّنَا} توكيداً، ولام: {لِيُضِلُّوا} لام العاقبة والصيرورة. أي: آتيتهم النعم المذكورة ليشكروها ويتبعوا سبيلك، فكان عاقبة أمرهم أنهم كفروا وضلوا عن سبيلك، وتجويز جعل اللام للعلة استدراجاً، أو لام الدعاء عليهم بذلك- توسع في غير متسع، ونبو عن لطف المساق وسره فإن موسى لما رأى القوم مصرين على الكفر والعناد أخذ في الدعاء عليهم، ومن حق من يدعو على الغير أن يقدم بين يدي دعائه ما دفعه واضطره إلى الابتهال؛ لتحق إجابته، ولذا بين أولاً ضلالهم عن السبيل بكفرانهم للنعم، وعتوهم على المحسن بها تمهيداً لقوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} أي: أهلكها؛ لأنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك. وأصل الطمس محو الأثر والتغير: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: اجعلها قاسية، واطبع عليها، حتى لا تنشرح للإيمان: {فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} أي: يعاينوه ويوقنوا به، بحيث لا ينفعهم ذلك إذ ذاك، وقوله: {فَلاَ يُؤْمِنُواْ} جواب للدعاء، أو دعاء بلفظ النهي.
قال ابن كثير: هذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء. كما دعا نوح عليه السلام فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح: 26- 27]، ولهذا استجاب تعالى لموسى فيهم هذه الدعوة التي شركه فيها أخوه هارون كما أخبر بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (89):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [89].
{قَالَ} تعالى: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} أي: على أمري، ولا تعجلا، فإن مطلوبكما كائن في وقته لا محالة: {وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: في الاستعجال أو عدم الوثوق بوعده تعالى، أو يعني فرعون وقومه بقوله سبحانه.
ثم أشار تعالى إلى إجابته دعائهما في إهلاك فرعون وقومه.

.تفسير الآية رقم (90):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [90].
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ} أي: لحقهم: {فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً} أي: لأجل البغي عليهم والاعتداء: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ} يرجو النجاة من الغرق: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وذلك أن موسى عليه السلام لما رغب إلى فرعون أن يطلق الإسرائيليين من عبوديته، ويأذن لهم بالسراح إلى فلسطين ليعبدوا ربهم، أبى وتمرد، فضربه الله وقومه بالآيات التسع، كما تقدم في سورة الأعراف فأذن لموسى وشعبه بالخروج من مصر، فارتحل بنو إسرائيل جميعاً بمواشيهم وأثاثهم، ثم ندم فرعون وملؤه على إطلاقهم من خدمتهم، فاشتد فرعون وجنوده في أثرهم ليردهم، فأدركهم وهم نازلون عند البحر، فرهب الإسرائيليون من مقدمه، وضجوا إلى موسى فسكن روعهم، وأعلمهم ما يشاهدون من نجاتهم، وهلاك عدوهم، وأوحى تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر، فانشق، ودخل بنو إسرائيل في وسطه على اليبس الذي جعله تعالى آية كبرى، ونفذوا منه إلى شاطئه، وتبعهم فرعون وجنوده، حتى إذا توسطوا البحر، مد موسى يده على البحر، فارتد إلى ما كان عليه، وغرق فرعون بمن معه. ولما أحس بالغرق، لاذ إلى الإيمان يبغي النجاة، فقيل له:

.تفسير الآية رقم (91):

القول في تأويل قوله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [91].
{آلآنَ} أي: تؤمن وتسلم لتنجو من الغرق: {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} أي: كفرت بالله من قبل الغرق: {وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي: الضلال والإضلال، والظلم والعتو.

.تفسير الآية رقم (92):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [92].
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} أي: نخرجك من البحر بجسدك الذي لا روح فيه، فرآه بنو إسرائيل ملقى على شاطئ البحر ميتاً، وفي التعبير عن إخراجه من القعر إلى الشاطئ بالتنجية التي هي الخلاص من المكروه تهكم واستهزاء {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ} من الأمم الكافرة: {آيَةً} أي: عبرة من الطغيان والتمرد على أوامره تعالى {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} أي: لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
تنبيه:
قال الشهاب الخفاجي في العناية: لا يقبل إيمان المرء حال اليأس والاحتضار، كما يدل عليه صريح الآية: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: من الآية 85]، وأما ما وقع في الفصوص من صحة إيمانه، وأن قوله: {آمَنَتْ بهِ بَنُوا إِسْرائيلَ} إيمان بموسى عليه السلام، فمخالف للنص والإجماع، وإن ذهب إلى ظاهره الجلال الدواني رحمه الله. وله رسالة فيه طالعتها، وكنت أتعجب منها حتى رأيت في تاريخ حلب للفاضل الحلبي أنها ليست له، وإنما هي لرجل يسمى محمد بن هلال النحوي. وقد ردها القزويني، وشنع عليه وقال: إنما مثاله مثال رجل خامل الذكر، لما قدم مكة بال في زمزم ليشتهر بين الناس، كما في المثل خالف تعرف. وفي فتاوى ابن حجر رحمه الله أن بعض فقهائنا كفَّر من ذهب إلى إيمان فرعون، ولذا قيل: إن المراد بفرعون في كلامه النفس الأمارة، وهذا كله مما لا حاجة إليه- انتهى كلام الشهاب-.
أقول: ذكر شيخنا العطار رحمه الله في كتابه الفتح المبين في رد اعتراض المعترض على محي الدين خاتمة في بطلان ما نسب إلى هذا العارف من القول بصحة إيمان فرعون ونجاته، قال رحمه الله:
ليعلم أنه شاع فيما بين أهل العلم بأن حضرة محي الدين رضي الله عنه قال بإيمان فرعون ونجاته، والحال أنه ليس كذلك، كما ستطلع عليه من النقل عنه، بحث في صحة القول بإيمان فرعون ونجاته وعدمها، حيث الأخذ من الآيات القرآنية، فكان ذلك منه مجرد بحث في الدليل لا غير، وما كان هذا قولاً بإيمانه قطعياً، وقد بنى مسألة نجاة فرعون وإيمانه على أصلين من أصوله، وافقه عليهما جم غفير من العلماء الأعلام.
الأصل الأول- في بيان حقيقة إيمان اليأس: فإيمان اليأس عنده، وعند جم غفير من العلماء هو ما كان عند مشاهدة العذاب البرزخي، كحال المحتضر لا غير، ففي هذه الحالة لا ينفع الإيمان، وهذا متفق عليه بين أهل العلم. وذهب قوم إلى أن إيمان اليأس ما كان عند رؤية العذاب دنيوياً أو أخروياً، فالإيمان في أي: حالة من الحالتين لا ينفع. وعند هذا العارف وجماعة: أن رؤية العذاب الدنيوي لا تمنع صحة الإيمان، وإن أوجبت الهلاك في الدنيا، فإن سنة الله قاضية بأن يتحتم وقوع الهلاك الدنيوي لمن رأى هذا العذاب وإن آمن ونجا من عذاب الآخرة، إلا قوم يونس، فإنه تعالى نجاهم منه، كما ذكره تعالى.
الأصل الثاني- من أصوله رضي الله عنه: أن من حقت عليه الكلمة لا يتلفظ بمادة الإيمان بقصد الإيمان بقصد الإيمان، وإن تلفظ بها لا يقصده، فلابد من تكذيب الله تعالى له، ولو بالحكاية عنه كما قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: من الآية 14]، وكما قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات: من الآية 14]، فكذبهم تعالى في دعواهم. وهذا الأصل مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96- 97]، فكلمة: {حَتَّى} للغاية، فغيَّا تعالى إيمانهم إلى حين رؤية العذاب الأليم، وهو الأخروي لا غير، فإنه هو الذي يوصف بالأليم. ونفى تعالى عنهم وقوع الإيمان قبل ذلك، فوقوعه منهم قبله قصداً محال بنص هذه الآية.
إذا تقرر هذان الأصلان، فلنرجع إلى ما قاله هذا الحبر في شأن فرعون في الفتوحات المكية وفي الفصوص. فالذي ذكره في الفتوحات عن ذكره طبقات أهل النار فيها: هو أن فرعون من أهل النار، حيث قال في هذا البحث: كفرعون وأضرابه، فخص له ولهم من النار طبقة مخصوصة يؤبدون فيها. وأشار إلى كفره في موضع آخر منها عند ذكره هذا الحديث، وهو: «أعوذ بك منك» قال: استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقام الاتحاد الذي كان عليه فرعون وهو قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: من الآية 24]، وعلى هذه الإشارة وما تقدم يكون فرعون كافراً عنده، كما هو عند عامة الخلق، وعلى هذا لا إشكال ولا كلام.
بقي القول على إيمان فرعون ونجاته من حيث الدليل، وهو مجرد بحث مع الذين ذهبوا إلى كفره قطعياً، وليس لهم هذا القطع، لما أن الدليل القرآني يعطي خلافه، قال تعالى: {فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنْتُ} الآية، فذكر فرعون هنا الإيمان ثلاث مرات: اثنتان في الجناب الإلهي، والأخيرة تعمه، والإيمان بموسى حيث قال: {وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولم يكن مسلماً إلا من جمع بين الإيمان بالله وبرسوله.
ثم قال شيخنا رحمه الله: وفي الفتوحات والفصوص ما حاصله: أن إيمانه لم يكن عند اليأس، لا على مذهبه ومذهب من وافقه، ولا على مذهب غيره. أما الأول فلأن إيمانه كان عند رؤية العذاب الدنيوي، لا عند احتضاره، والإيمان عند رؤية العذاب الدنيوي لا يعد يأساً عنده وعند جمع. وأما على الثاني، فلأن قول فرعون ما كان عند يأسه من الحياة الدنيوية، فإنه علم أن من آمن بما آمن به قوم موسى كان له المشاركة في الطريق اليبس التي كانت للمؤمنين، وقد شاركهم في إيمانهم فكان الغالب على ظنه أو يقينه المعاملة الخاصة بالمؤمنين والمشاهدة له، وما علم سنة الله في خلقه بأنه لابد من الهلاك الدنيوي لمن كانت حالته كذلك، والهلاك في الدنيا لا يدل على عدم النجاة في الآخرة، وهو ظاهر. وعلى هذا فإيمانه لم يكن حال اليأس على المذهبين، فالأول بيقين، والثاني بحسب ما يظهر، ولا بعد بأنه كان طامعاً في النجاة بيقين، لعموم المشاركة. هذا وإن مذهب هذا العارف الخاص به هو البناء على اتساع الرحمة الإلهية، والأخذ بالظواهر من الآيات، ومع ذلك فلما ذكر البحث في شأن إيمان فرعون ونجاته، مع من قال بخلافهما، قال: إن الوقف في شأن إيمان فرعون هو الأسلم، لما شاع عند الخلق عامة من شقائه، وهذا منه صريح في أنه كان باحثاً في إيمانه ونجاته من ظاهر اللفظ القرآني بحثاً لا جازماً بهما- انتهى ملخصاً-.
ثم أنبأ تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل إثر نعمة إنجائهم من عدوهم وإهلاكه وإخلالهم بشكرها وأداء حقوقها بقوله: